أقلام

علي الجشي .. حينما يكون اللون معجمًا

محمد آل عمير

في رصيف ما، تسير على طيف صدى، تظن أنه للوهلة الأولى ظلٌ ينساب عبر لون كامن في بقعة مستترة باتساع المكان الذي تراه، تريد أن تحدد هذه الوجهة التي رأيت فيها الطيف لأول مرة، وتتساءل: لو أن غيمةً تغدو مشرقة مع الشمس، وتأتيك ببعض بوح عن الطيف الذي تسأل عنه، وأنت تريد أن تعرف مغزاه.

يأتي الطيف مجددًا فيتحول إلى صدى صوتٍ يعبر على قارعة الريح، يمنحك الفرصة لتراه – كلحظة متسارعة من عملية فتح باب وصدهِ مجددًا – ؛ فيذهب هذا الصوت خلسةً مسرعًا نحو غياهب السحاب؛ فتسأل نفسك مجددًا: لو أن جبلًأ يأتيني بحرف من كلمة يدلني على معنى الذهاب والإياب لهذا الطيف المغلف بالصدى؛ أو دهشة تصلني إلى جادة محياه.

تتوقف وتنظر من كل جهات الجدران، وتتساءل: لما لا أذهب بنفسي وأقرأ نوع هذا اللون القابع في الطيف، والطيف الذي هو قابع في الصدى، والصدى الذي هو قابع في اللون، اللون الذي يبدأ الفنان بعزف لحنه الخاص لكي يمنح للمدى نقش حرفته، يمضي الفنان علي مهدي الجشي بوضع لمسته الخاصة، بحثًا عن جدوى لعالمه الذي يرى ويعيش، يضع باقة أسئلته في لوحته التشكيلية، ويرافق رحلته حبر اللحظة الذي يكتب بها سيرة الحكاية المنشودة في عمق تفاصيل السؤال، ذلك السؤال الذي يبحث عن الأسباب المتجذرة في جماليات الإطار الفني وضمن ما يرسمه الفنان بشغف رؤيته الثقافية والفنية مع الإحاطة الفعلية بمتعلقات الزمكان.

ينبض بـ سمات الشرايين السائرة نحو زهر الذكريات، وأصالة الأمكنة العتيقة، يعبّر عن حبه للأصالة بخيول تتجذر في عمق التاريخ، ويمضي وهو يؤرخ للمكان بلوحاته التشكيلية، ويريد أن يضع في اللون معجمًا يبحر به ناحية المعاني المترامية الوجهات والأهداف.

سائح متأمل بحكمة في رحلة الفن المعاصر، يقتنص اللحظة التي تحيك له ترك بصمة متميزة للمساته الاحترافية، وكما أنه عاشق لتجليات اللون هو أيضًا شغوف بالحرف العربي ونقوشه، يحيط به ويرسم لملامح اللغة العربية يراعًا تشكيليًا لا ينضب من عبق المخيلة ومزج الواقعية بأحادية اللون ورمادية السمات البارزة ضمن الإطار، وألوان مستترة كامنة في عمق اللوحة / الفكرة.

ينطلق بتأني مكونًا للحظاته التي يكتبها بالرسم سيرة تتسع لإزالة شوائب الأيام وإيقاظ الأحلام الذي تريد أن تنهض بكيان اللون، اللون الذي يخفف قلق الغد برحيق الصدى الوجداني ويترك للانشراح تأمله الأجمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى