بشائر المجتمع

النداء و الصيحة

أحمد الطويل

مقدمة:

في اللغة العربية، يُستخدم مصطلح “النداء” للإشارة إلى دعوة شخص ما للإقبال أو الانتباه، ويتم ذلك باستخدام أدوات نداء مثل “يا” و”أيها”. أما “الصيحة”، فهي صوت مرتفع ومفاجئ يُستخدم للتنبيه أو التحذير. أما في الاصطلاح الديني، يُشير “النداء” إلى دعوة الله لعباده للإيمان والعمل الصالح، كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾، حيث يخاطب المؤمنين لتوجيههم نحو الخير. أما “الصيحة”، فتُستخدم للإشارة إلى العقاب الإلهي أو التنبيه الشديد، كما في قوله تعالى: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ﴾ [سورة الحجر: 73]، حيث تدل على العذاب الذي أصاب قوم لوط.

درجات الاستجابة لنداء الله وتجلّياتها يوم القيامة

الذين يستجيبون لنداء الله ويؤمنون به، لهم درجات رفيعة في الآخرة. يقول تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم﴾ [سورة النساء: 69]. هذه الدرجات تتجلى يوم القيامة في صور النعيم المقيم. يذكر القرآن الغرف المبنية في الجنة، و وصف الغرف المبنية في الجنة للمؤمنين، حيث قال تعالى: ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [سورة الزمر: 20]. هذه الغرف ترمز إلى المنازل الرفيعة والمقامات العالية التي أعدها الله للمتقين، وهي دليل على التكريم والرفعة في الجنة. أيضا الله سبحانه و تعالى من خلال القرآن الكريم تحدث عن مكافأة المؤمنين بالحور العين. من نعم الله على المؤمنين في الجنة، أنه يكافئهم بالحور العين، كما في قوله تعالى: ﴿وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ﴾ [سورة الدخان: 54]. وهذا تعبير عن النعيم الحسي والروحي الذي ينعم به المؤمنون جزاءً لاستجابتهم لنداء الله في الدنيا. سورة “يس” تقدم وصفًا للجنة ونعيمها، مما يعزز صورة النعيم الأبدي للمؤمنين. يقول تعالى: ﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ.. هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ.. لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ.. سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ﴾ [سورة يس: 55-58]. هذه الآيات تصور حالة السعادة والنعيم التي يعيشها المؤمنون في الجنة.

ومن أمثلة تلبية نداء الله، قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [سورة الجمعة: 9]. استجابة المؤمن لهذا النداء تعكس حرصه على طاعة الله وحضور صلاة الجمعة، مما يزيد من درجته عند الله. المؤمن الحق يعيش حياته مستجيبًا لنداءات الله المستمرة، سواء في العبادات أو المعاملات، مما يجعله في حالة تواصل دائم مع ربه، ويعكس إيمانه العميق واستعداده للطاعة.

درجة المنافقين والكافرين في النار

في المقابل، الذين لم يستجيبوا لنداء الله وظلموا أنفسهم بالكفر والنفاق، لهم دركات في النار. يقول تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾ [سورة النساء: 145]. وهذا يشير إلى أن الكافرين والمنافقين يتسافلون في مراتب العذاب بناءً على أفعالهم في الدنيا.

الصيحة وتأثيرها على الكافرين والمنافقين

الصيحة تأتي كعقاب للكافرين والمنافقين، كما في قوله تعالى: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ﴾ [سورة الحجر: 73]. هذه الصيحة كانت سبب هلاكهم، مما يدل على شدة العذاب الذي يصيبهم بسبب كفرهم ونفاقهم.

النداء السماوي و الصيحة

توجد روايات تتحدث عن “صيحة” أو نداء سماوي يُعتبر من العلامات التي تسبق ظهور الإمام المهدي (عج). هذه الصيحة تُعتبر من العلامات الحتمية لظهور الإمام المهدي (عج). الصيحة الجبرائيلية، كعلامة حتمية لظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف. هذه الصيحة هي نداء من السماء ينادي فيه جبرائيل عليه السلام باسم القائم عليه السلام واسم أبيه، داعيًا الناس إلى اتباعه. تُشير الروايات إلى أن هذه الصيحة ستحدث في ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك، الموافق ليوم جمعة.

من ناحية أخرى، تُذكر في بعض الروايات “الصيحة الإبليسية” التي تهدف إلى إضلال الناس، حيث ينادي إبليس لعنه الله باسم شخص آخر لإحداث الفتنة والتشويش بين المؤمنين. يُعتبر التفريق بين هاتين الصيحتين أمرًا مهمًا للمؤمنين لتمييز الحق من الباطل.

الصيحة الأولى نداء سماوي، قال تعالى: ﴿وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ﴾ [ق: 41].

تُذكر الروايات أن هناك نداءً سماويًا يسمعه الجميع بلغتهم، ويُعلن عن ظهور الإمام المهدي (عج). هذا النداء يُعتبر علامة واضحة وحتمية لبداية ظهوره. يُروى أن هذا النداء يكون من جبريل (ع) أو ملك آخر، ويُعلن فيه “الحق في آل محمد”، هذه الصيحة تكون قبل ظهور الإمام المهدي (عج) بفترة قصيرة، وتُعتبر علامة إلهية لتأكيد شرعية ظهوره.

وردت عدة تأويلات ترتبط بأحداث آخر الزمان وظهور الإمام المهدي (عج). ومن أبرز ما ورد في تفسيرها، النداء السماوي عند ظهور الإمام المهدي (عج). في بعض الروايات عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، يُفسَّر هذا النداء بأنه الصوت الذي يُسمَع في آخر الزمان عند ظهور الإمام المهدي (عج)، حيث ينادي جبرائيل عليه السلام باسمه ويدعو الناس إلى مبايعته، وذلك من السماء بصوت يُسمعه الجميع بوضوح. يُروى عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: “ينادي منادٍ باسم القائم (عج) فيسمعه من في المشرق ومن في المغرب”، وهو نداء يسبق الظهور الموعود. و المقصود بـ”المكان القريب” حسب بعض المفسرين إشارة إلى السماء أو بيت المقدس أو الكعبة، حيث سيكون النداء واضحًا ومسموعًا لكل البشر. وفي بعض الروايات، يُشار إلى أن هذا النداء يأتي من السماء في وقت الفجر. الآية تُفسَّر على أنها إشارة إلى نداء جبرائيل عليه السلام في آخر الزمان عند ظهور الإمام المهدي (عج)، وهو نداء سماوي يدعو الناس إلى طاعته ونصرته، ويُسمع في كل مكان بوضوح.

الصيحة الثانية نداء آخر الزمان، قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ﴾ [ق: 42]. هناك روايات تتحدث عن نداء أو صيحة أخرى تكون في نهاية الزمان، قرب قيام الساعة. هذه الصيحة قد تكون مرتبطة بأحداث آخر الزمان، مثل خروج الدجال أو نزول المسيح عيسى (ع) أو علامات القيامة الكبرى. هذه الصيحة قد تكون مختلفة عن الصيحة الأولى، وتُعتبر من العلامات الكونية الكبرى. وهناك عدة تأويلات، أبرزها هو انها تتحدث عن يوم القيامة، حيث يُسمع النداء الإلهي الذي يُعيد الأموات إلى الحياة، ويخرجون من قبورهم للحساب.

ورد في بعض الروايات عن أئمة أهل البيت عليهم السلام أن هناك صيحتين في آخر الزمان: صيحة الحق التي ينادي بها جبرائيل باسم الإمام المهدي (عج) ويدعو الناس إلى طاعته، وهي الصيحة التي تحدث قبيل ظهوره.

و الأخرة صيحة الباطل التي تكون من إبليس لمحاولة إضلال الناس.

اللهم اجعلنا ممن يستجيب لندائك، وينصر دينك، و يقتدي بأوليائك. حتى نكون من الفائزين برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى