هل تطبق شركات البترول مبدأ (الإنسان أولا)؟
د/ عبدالجليل الخليفة
أكتشف رينولدز حقل مسجد سليمان النفطي عام ١٩٠٨، ليكون أول حقل يكتشف في منطقة الشرق الأوسط، ثم أنتقل الى فنزويلا و أكتشف حقل روزا النفطي عام ١٩٢٢. إن رينولدز و الكثيرون من أقرانه خير مثال على أهمية الإنسان القصوى في الصناعة البترولية. و في المقابل، تعرضت صناعة البترول الى كوارث فنية و بيئية و إقتصادية نتيجة إهمال بعض موظفيها او عدم كفاءتهم، فمثلا تسببت كارثة السفينة فالديز التابعة لشركة اكسون عام ١٩٨٩ في تسرب النفط مما كلف الشركة خمسة بلايين دولار. و أدت كارثة ماكوندو في خليج المكسيك الى الحريق الذي أتى على المنصة البحرية عام ٢٠٠٦، ففقد إثرها أحد عشر عاملا، و خسرت شركة البترول البريطانية عشرات البلايين من الدولارات كتعويضات للمتضررين. و هناك الكثير من الأخطاء الفنية التي قد تحدث و يتم تبريرها لغير المختصين، منها مثلا:
أخطاء في حفر بعض الآبار مما يرفع تكلفة البئر الى عشرات الملايين من الدولارات أخطاء في إدارة المكامن البترولية قد تتسبب في خسارة إحتياطيات تقدر ببلايين البراميل أخطاء في تصميم و تنفيذ بعض المشاريع قد تؤدي الى رفع التكلفة ببلايين الدولارات أخطاء في تطوير الحقول قد تؤدي الى نصب منصات بحرية لايمكن إستخدامها، و تبلغ تكلفتها مئات الملايين من الدولارات.
تبين فيما سبق أن الإنسان في الصناعة البترولية يستطيع أن يوفر بكفاءته او يكلف بجهله البلايين من الدولارات. لذلك فإنني أدعو شركات البترول الى تطبيق مبدأ (الإنسان أولا) في إدارة الصناعة البترولية، و لكن كيف؟
آن الأوان أن تطبق الشركات البترولية ثلاث قيم مهمة جدا مع العاملين و الموظفين في الصناعة البترولية. و هذه القيم هي : الكفاءة، و العدالة، و الشفافية. و الكفاءة هي المهنية و المعرفة و الخبرة في التخصص المطلوب و تطبيق أحدث التقنيات المعمول بها عالميا. و لكن كيف يتم إختيار و توظيف و تطوير هذه الكفاءات؟ هنا يأتي دور العدالة في إعطاء كل ذي حق حقه، فلا تمييز في التوظيف، و لا محاباة في التطوير و تنصيب الأشخاص في الوظائف القيادية، و لا حرمان لأحد او مجموعة تتسم بالكفاءة من التوظيف و التطوير. و حين نضمن الكفاءة و العدالة، يصبح التنافس شريفا، فمعيار الأداء و التقدير السنوي هو الإنجاز و الإنتاجية، و هذا هو النظام المعمول به في الصناعات المتطورة.
و لكن كيف تتأكد الشركات من ترسيخ قيم الكفاءة و العدالة؟ يتم ذلك عبر تطبيق مبدأ الشفافية، و نشر أكبر قدر ممكن من المعلومات عن التوظيف و التطوير داخل الشركة و خارجها، كأسماء المتقدمين للتوظيف و المقبولين منهم، و أسماء المرشحين لتبوء المناصب القيادية في الشركة و أسباب ترشيحهم. نعم، قد يستغرب البعض من مستوى هذه الشفافية و يعتبره ليس عمليا، و لكن الحقيقة أن إخفاء هذه المعلومات وعدم نشرها يتسبب في فقدان الثقة و زرع الشكوك و فسح المجال للتلاعب و عدم العدالة. و لذلك فقد بدأت الكثير من الشركات العالمية المدرجة في الأسواق العالمية في نشر تقاريرها السنوية عن التنوع و نسب التوظيف و التطوير و التأهيل للمناصب العليا من الطوائف و الأعراق المختلفة. و هذا يمثل تطبيقا عمليا و حضاريا لمبدأ الشفافية الذي يزرع الثقة و يلمس قلوب العاملين و يضمن كفاءة أفضل و عدالة أشمل.
أتمنى أن تكون شركات البترول هي السباقة لتطبيق مبدأ(الإنسان أولا)، فالعاملون في هذه الشركات يستحقون العيش في أجواء الكفاءة و العدالة و الشفافية. و تستحق إحتياطيات البترول و الغاز إدارة ناجحة تقلل الخسائر و ترفع الأرباح و تحقق مستوى عاليا من إستخلاص البترول و الغاز بمستويات إقتصادية.
رئيس جمعية مهندسي البترول العالمية٢٠٠٧
والرئيس التنفيذي لشركة دراغون أويل سابقاً